تأثيرات كوفيد19على بائعات الكسكس

سبت, 19/06/2021 - 19:06

تأثيرات كوفيد19على بائعات الكسكس
في نهاية التسعينات قررت المواطنة "مريم" الهجرة من الريف إلى المدينة بغية البحث عن لقمة العيش بعد أن عانت بسبب نقص المياه وقلة التساقطات المطرية ؛وضعف التنمية الحيوانية والزراعة التي كانت تشكل العمود الفقري وحجز الزاوية التي تعتمد عليه في تحصيل قوت أسرتها .
مريم بنت يرب من مواليد الستينات في منطقة "مجمع بورات" المعروف محليا بمثلث الفقر هي أرملة وأم لستة بنات وأربع ذكور توفي عنهم أبوهم وهم صغار رحمه الله تعالى، وتسكن مع مريم أمها وهي ضعيفة ومصابة بمرض الضغط وعاهة العمى كذلك .
خصصت المواطنة مريم جل وقتها للعمل في الزراعة والتنمية الحيوانية من أجل تأمين قوت أسرتها وتربيتهم ورعايتهم وهو ما نجحت فيه بفضل الله .
كانت مريم مثالا للمرأة الشنقيطية الصابرة الصامدة الكادحة المؤمنة المحتسبة القنوعة ، لاتفارق الإبتسامة محياها راضية بقضاء الله وقدره .
أستمرت مريم لمدة عقد من الزمن تمارس مهنتها في مسقط رأسها مع أمها التي أرتبطت بتلك الأرض ولاترضى بها بديلا إلى أن جاء قضاء الله وقدره وأنتقلت الأم إلى جوار ربها ، عندها قررت مريم السفر والهجرة إلى العاصمة أنواكشوط من أجل تعليم أبناءها ، وإيجاد عمل يوفر لها جميع حاجيات أسرتها وهو ماتحقق بالفعل أيضا سافرت مريم وأسرتها إلى العاصمة أنواكشوط وفكرت في مشروع بيع مادة الكسكس المعروفة عند جل الموريتانين ، وأستأجرت منزلا متواضعا في مقاطعة توجنين .
كانت بداية المشروع كما تقول مريم محفوفة ببعض الصعاب لكن بفضل الله والإرادة والعزيمة لدى مريم بغية وصولها للهدف المنشود والمتمثل في تربية الأبناء أحسن تربية وتعليمهم نجح المشروع (بيع الكسكس) ودخل الأبناء المدرسة وأمنت قوتهم وثمن الإيجار ثم بعد ذلك أشترت قطعة أرضية وأصبحت الأمور على مايرام .
وذات يوم دخلت على مريم جارتها فاطمة (صديقة الطفولة)
وجرى بينهما الحديث التالي :
الجارة فاطمة : كيف حالك مريم وحال الأسرة ؟
مريم : أنا بخير والأبناء كذلك .وأنت كيف حالك ؟
الجارة فاطمة : نحن بخير جميعا . كيف كان شعورك وأنت تتركين الزراعة والتنمية الحيوانية ؟والأهالي هناك في البوادي والأرياف ؟
مريم : لا بأس كان خيارا صعبا لكن الظروف أرغمتني ، أنا لا أستطيع أنا أضحي بمستقبل أبنائي نهائيا هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد لي مستقر هناك بعد رحمة أمي وصعوبة الظروف من نقص لمياه الشرب وعدم تساقط الأمطار .
الجارة فاطمة : صدقت الحق معك ، هل تكيفتي مع حياة المدينة ؟
مريم : الحمد لله تكيفت مع الوضع ومشروعي التجاري نجح لله الحمد والأبناء تعليمهم مستمر وكل شيء على مايرام .
كيف حالك أنت فاطمة ؟
الجارة فاطمة : بشرك الله بخير .
أنا بخير لله والأمور على مايرام .
مريم : هل من جديد في حينا ؟
الجارة فاطمة : لا جديد يذكر في الحي سواء أن الناس تتحدث عن أنتشار كورونا في بلدنا .
مريم : مكرون الناس تختار عنها السكس .
الجارة فاطمة: ضحكت فاطمة وقالت الأمر ليس كما تتصورين فيروس كورونا مرض خطير أنتشر في العالم بشكل عام .
مريم : الله أكبر اللهم حولنا ولا علينا ، أستفقدنا منذ زمن على الكثير من الأمراض كانت منتشرة محليا مثل : (أجدري، وأجرب ،وبوحيمرون ).
الجارة فاطمة : الأمر أشد فتكا كوفيد19 خطير وسريع العدوى عن طريق التنفس واللمس والمصافحة ولمس الأسطح، والدولة تلزم المواطنين بأخذ جميع الإجراءات الإحترازية اللازمة .
مريم : الله أكبر ..هذه أمراض آخر الزمان .
الجارة فاطمة: أنا أستمعت قبل قليل عن طريق وسائل الإعلام أن الدولة ستتخذ حزمة من الإجراءات الضرورية .
مريم : اللهم سلم اللهم سلم .

الجارة فاطمة: سنلتقي وقت آخر أستودعك الله الآن .
.........
بعد يومين تعود مريم إلى منزلها متعبة ومتثاقلة وتخاطب أبناءها لقد فرض حظر التجوال من الساعة السادسة مساءا ونحن ليس لدينا أي مصدر للرزق إلا مشروع "بيع الكسكس" لكن في كل الأحوال علينا أن نعلم جميعا أن الله معنا أين ما كنا .
توقف المشروع وتواصل حظر التجوال وخيم الأسى والحزن بظلاله الكئيبة على اسرة مريم وغيرها من أصحاب الدخل المحدود .
ثم بعد ذلك
قامت مريم بزيارة لجارتها فاطمة في منزلها .
مريم : السلام عليكم
الجارة فاطمة: وعليكم السلام أهلا بيك مريم
مريم : نحن بخير الحال أصبح صعبا لكن مادامت الصحة جيدة فنحن بخير .هل من جديد من أخبار كورونا ؟
الجارة فاطمة: الحمدلله سمعت أن رئيس الجمهورية أعلن عن صندوق كورونا مخصص لمساعدة الفقراء والطبقات الهشة والعمال محدودي الدخل وأن محاصيلة تجاوزت 60مليار أوقية قديمة.
مريم : الحمدلله حاجتنا كثيرة لهذا وأستبشرت خيرا ، ورجعت للدار.
عند رجوع مريم للدار وجدت إبنها الكبير إبراهيم _ وهو يحضر لمسابقة الباكالوريا _ فأبلغته بالخبر فتبسم ورد عليها هذه المساعدة المقدمة من الدولة لا تسمن ولا تغني من جوع فهي عبارة عن مبلغ 22ألف قديمة من كل ثلاثة أشهر ، فتبسمت وفي قلبها حسرة وقالت" ننزل فيها البركة".
بعد أسابيع
ووضعية مريم وأسرتها تسوء أكثر أعلنت وزارة الداخلية عن تأجيل وقت حظرت التجوال وأصبح سار المفعول أبتداءا من منتصف الليل وحتى الساعة السادسة صباحا ، فرحت مريم كثيرا وبدأت تحضر لإستئناف نشاطها التجاري ولكنها تفاجئت هذه المرة بعدم إقبال الزبناء ويعود ذلك إلى تغير النظام الغذائي ليلا بسبب حظر التجوال حيث أصبحت هناك بدائل عن وجبة الكسكس .
سلمت مريم للقدر وفوضت الأمر لله وهي تعلم جيدا أنه لاملجئ من الله إلا إليه ، نظر إليها إبنها إبراهيم وتحدث إليها قائلا كان على الدولة أن تأخذ بزمام المبارة قبل القدوم على تطبيق هذه الإجراءات ضد كوفيد 19أن تدرس التأثيرات الإقتصادية لهذا القرار على الفئات الهشة التي تأثرت كثيرا بسببه ، كان عليها أن تقوم بإحصاء شامل لكل من توقف نشاطه بسبب هذه الإجراءات المصاحبة لجائحة كوفيد 19وتقديم المساعدة لهم .
نشاطات توقفت وركود تجاري لامثيل له .
هكذا أثر فيروس كورونا على مختلف جوانب الحياة اليومية وأثر فيها بشكل واضح أمتدت تأثيراته إلى السياسة والإقتصاد، تأثيرات تتكشف تفاصيلها وتتجلى مشاهدها يوما بعد يوم في العالم أجمع .
أمي لقد قررت ترك الدراسة والبحث عن العمل حتى وإن أستدعى الأمر الهجرة والسفر للخارج لكي أساعدك على تربية إخوتي وأخواتي وتعليمهم .
الأم مريم : لا ياولدي لن تترك دراستك أبدا ستكمل دراستك حتى تحصل على شهادات عليا وتتوظف أنت وإخوتك بحول الله .
كن قويا وتوكل على الله وتسلح بالصبر والعزيمة والإرادة ، الأرزاق بيد الله ونحن مؤمنين ولدينا عقيدة وإيمان قوي أن الله يرزق العبد من حيث لايحتسب قال تعالى :(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ) وقوله صلى الله عليه وسلم:"لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها".
فنسأل الله أن يمنا علينا وعلى الجميع بالصحة والعافية وأن تمر جائحة كورونا بردا وسلاما .
الإبن إبراهيم :ونعم بالله سمعا وطاعة أمي الحنون.
الأم مريم : بارك الله فيك إبني البار.
بقلم : حمادى الشيخ أحمد معزو

تم نشر هذه القصة بدعم من JHR/JDH_صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا