ولد بكار يكتب: من أجل حوار وطني لا بيع فيه ولا شراء ولا ترضية (ح: 3 والأخيرة)

خميس, 29/05/2025 - 18:41

السؤال الأول يتعلق بمن هو المعني بالحوار.
لا يمكن أن يكون الحوار مختصرا على الأحزاب إذا كنا بصدد حماية العملية الديمقراطية برمتها من العيوب والاختلالات التي لحقتها من الممارسة الضعيفة ومن التغييرات التي طالت الإطار النظري والخلفية الفكرية التي أسست عليها. وهكذا يتعين دمج كل الطيف الوطني في هذا الحوار، فالجميع يعرف أن شرعية الأحزاب انكمشت في البلد وانحسرت عند حدود الانتخابات، وبالتالي لا يمكنها أن تنوب عن الجميع في القضايا كبرى ، فهي تواجه نقيصتين: بيع الترشيحات بالنسبة لبعض أحزاب الأغلبية وضعف التأثير في المواطن ، وكثير منها لم يحصل على تمثيل سياسي، وبالتالي ليست لها شرعية يمكن الاعتماد عليها في تغيرات جوهرية باسم المجتمع، وهكذا يتوجب توسيع باب الولوج إلى الحوار من خلال إشراك التنظيمات الوسيطة الأخرى، من هيئات وجمعيات ومنظمات وروابط وأندية، صحيح أنه حوار سياسي لكنه وطني من أجل تقييم وتقويم تجربتنا ودعم وحماية المكاسب الديمقراطية والحريات وصقل الأدوات ، وأكثر من ذلك بناء الثقة في اللحمة الوطنية وفي تاريخ وثقافة البلد ومؤسساته ومساره الديمقراطي وتلاحم مكوناته في سياق مفاهيمي واحد. فالحوار جلسة مع الذات قبل كل شيء ولمفاهيم وسياقات جديدة ولا تصلح له الادوات القديمة ولا الأساليب القديمة إن كان الهدف هو الوطن وهو بالتالي مخاطبة النفس: ماذا فعلنا لبلدنا؟ وماذا يجب أن نفعل به؟ وما ذا يجب أن ننترك للأجيال؟...
هذا في الحقيقة يستدعي بناء شرعية ومشروعية للحوار.
– الشرعية : هي أن يعبر الحوار عن طموح البلد وأفكاره، ويستوعب مطالبه وتناقضاته، ويستلهم الدروس من تجارب الدول المحيطة بنا ومن العالم بصفة عامة ونحن ندخل باب العالمية في قضايا عديدة أيجابية وسلبية وهكذا يكون الحوار أكبر من مجرد عملية سياسية بين أطراف لعبة تنتفي وتقوم الثقة بينهم أحايين عدة إنه الوقت لطرح الباب أرضا من أجل دخول الجميع إلى الحوار والمشاركة في وثيقة وطنية جامعة لكل الطيف: تطلعاته وطموحه ورؤيته للبلد كيف تكون حسب ظروف التوافق، وكيف نقف في انزلاقه بسبب النزعة المتطرفة والدعوات المرتبطة بالشرائحية والعنصرية وبالكراهة وبسبب زيادة موجات التمايز وبسبب الانهيار الأخلاقي المريع وتسارع تيارات الالحاد والفجور والتفسخ والانحلال والذوق الوضيع والثقافة الهابطة الأمر يتطلب مشروعا وطنيا لا جلسات حوار اعتيادي حول قضايا مألوفة .
– والمشروعية: أن تتم عملية الحوار وفق أسلوب ونظام وتحضير يرضى عنه ويحترمه الجميع أي في ضوء آلية وسقف زمني واضح . وهكذا، عندما يجتمع الطيف الوطني ليقرر الوثيقة الوطنية، فإنه من المفيد أن يكون الحضور عاما وبروح انفتاح وتقبل الآخر ، ففي عملية كهذه يكون الغياب مثل الوقوف اللاعب أثناء المباراة ، خاصة أنه حوار على بساط خاو يمكن أن نضع فيه كل شيء. إن الحوار لمصلحة البلد، ووضع شروط مسبقة من أجل المشاركة فيه ، كمن يريد أن يبيع أو يشتري،فهذا ليس للبيع ولا الشراء فهذا للبلد وقضايا البلد عادة يخدمها الضمير فأن غاب فالحاجة للبلد في شيء آخر .
والحقيقة أنه عندما يجتمع الجميع ليقرروا إصلاحات جوهرية في البلد، لن يملك النظام -وهو في بداية مأموريته ويحتاج لدعم الطيف السياسي- أن يتراجع عن تنفيذ اتفاق أجمع عليه الجميع وهو صاحب مبادرته في الأصل . إنه بذلك سيقضي على نفسه ويقتل شعاراته التي ظل مصمما عليها من اليوم الأول،شعار التهدئة. وبالتالي من المفيد للساسة أن يتنازلوا عن العناد واختزال البلد في الذات والنوازع والأنانيات ويتخلصوا من الذاتية لنرى -وللمرة الأخيرة- ماذا سيكون .
وقبل أن أخلص إلى مقترحاتي العملية، أبثّ فكرة تقدم بها أحد الدارسين الاستراتيجيين المرموقين ورئيس مركز للدراسات الاستراتيجية طلب أن لا أحدّث عنه. أعتقد أنني سأكون مثل سيدة ماضية التي روت حديثا عن شخص في لفريگ فقالوا لها من هو فرفضت وبعد برهة إذا برجل قادم قالت لهم "اسكتوا اسكتو هذا أخوه قادم" هذا الأخ الذي أوحى إليّ بالفكرة قال بأنه، بدلا من أن نجعله حوارا وحدا، ينجح أو يفشل، نجعله مجموعة من الحوارات أو مجموعة من المفاهيم أو المواضيع، نتحاور حولها، كل واحد منها على حدة . وبذلك نكون خرجنا من صيغة الفشل العام إلى النجاح العام أو الفشل الجزئي.

بنية الحوار
أعتقد انه من المفيد جدا بناء إطار تنظيمي للحوار من خلال 3 مجموعات أساسية تسير الحوار وهي :
1-الجمعية العامة التي تضم جميع الزعماء السياسيين، ورؤساء الأحزاب، ورؤساء التنظيمات الوسيطة. وتكون هي الدائرة التشريعية الأساسية في الحوار، ترجع إليها كل أعماله وفي جميع المراحل لتجيزها، وهي التي تضم الشخصيات الأولى والثانية بالضرورة .
2-اللجنة السياسية. تتكون من خليط بين مجموعة من الأطر الذين يقعون خارج دائرة الالتزام الحزبي، وممثلين عن المؤتمرين من الطيف السياسي. ويكون القاسم المشترك العام هو المهنية و البعد الوطني. ويعهد إليها في مرحلتين :
– دراسة نتائج الحوارات السابقة، والمواضيع التي تم تنفيذها، وما لم يتم تنفيذه، وتحديد الأسباب .
– دراسة أسباب النجاح وأسباب الفشل.
– دراسة الساحة السياسية وجميع مظاهرها.
– تقديم ورقة أو تقرير بهذا للمؤتمرين قبل الصياغة الأولية لمواضيع الحوار التي وردت من المشاركين.
– المرحلة الثانية هي :
– تنسيق مواد الحوار وصياغة مواضيعه وعناوينه،
– تقديم مقترحات تتضمن آلية التنفيذ ومتابعة المخرجات بناء على التزامات الحكومة وعلى أسباب القصور في متابعة نتائج الحوارات السابقة،
– تقديم الدراسة أو التقرير إلى الجمعية العامة،
– صياغة المخرجات الأولية بعد مصادقة الجمعية العامة عليها وإدخال جميع التعديلات والملتمسات والتحفظات وتقديمها بالشكل النهائي، في جانبه السياسي، إلى الجمعية العامة التي ترسله إلى اللجنة القانونية .
كما يمكن أن تعهد هذه المهمة للفيف من مكاتب الدراسات متعددة الاختصاصات .
3-اللجنة القانونية مهمتها :
– صياغة القرارات في شكل قوانين سواء جديدة أو تتمة أو تعديلات، وتعاد للجمعية العامة التي تصادق عليها بالإمضاء الشخصي الذي يعبر عن الالتزام والتعهد بالتمسك بها وعدم مخالفتها والدفاع عنها ، ومن ثم ترسل للحكومة لتأخذ طريقها للتشريع أو التنفيذ.
أمور إجرائية مكملة من أجل إصلاح ظروف العملية الانتخابية :
– أن يمنع كل من يخل بمخرجات الحوار، بعد أن وقع عليها وبعد أن أصبحت ميثاقا وطنيا غليظا لأجل صقل وتنظيف ديمقراطيتنا من الشوائب، من شهادة التبريز التي تسمح له بالترشح أو بتولي مسؤولية عمومية عليا أو أن يشارك في التزكية لأي عمل سياسي، و أن لا يكون أحد العناصر الأساسية التي تنطبق عليها شروط التصديق لأي حزب أو منظمة ولا رئاستها ولا تقلد مناصب سياسية فيها ، أو أن يكون ضمن الهيئات العليا لها ، ولا ينتدب للعمل في أي هيئة من الهيآت الدستورية في البلد .
– وضع شروط جديدة للترشح للانتخابات المحلية تتطلب شهادة تعليمية على الاقل مستوى الباكلوريا
– شهادة تبريز التي يتم تغيير شروط الحصول عليها بأن تتطلب دراسة أخلاقية: حسن السيرة والسلوك.
وكل هذه الاجراءات توضع لها شروط جديدة ضد التزوير .
– وضع شروط امام الترشح للانتخابات الرئاسية تتطلب شهادة جامعية أو خبرة تعادلها .
– الترشحات من داخل الأحزاب.
– يتم تنظيم الترشحات من داخل الأحزاب بحيث يكون المترشح ينتمي للحزب منذ سنتين على الأقل قبل ترشحه ويمارس الأنشطة السياسية من خلاله ومعروف من هيئاته .
– مؤسسة اللجنة المستقلة للانتخابات، يتم اختيار موظفيها في ثلاث مراحل:
– لجنة الحكماء ، من شخصيات وطنية غير حزبية ، ويتم اختيارها حسب الملفات وفق معايير محددة سلفا من اهمها الاستقامة والمسؤولية مع شهادة حسن السيرة والسلوك ونظافة اليد .
وتكون حاصلة على :
– شهادات جامعية،
– تجربة وظيفية،
– نزاهة واستقامة مشهود بهما،
– خبرة وظيفية.
2-لجنة المديرين الجهويين من غير السياسيين:
– شهادات جامعية،
– خبرة وظيفية،
– استقامة.
3-اللجنة الفنيية :
– خبراء في مجال المعلوماتية ،
– شخصيات مهنية،
4-طريقة اختيار هذه اللجان:
تكوين مجموعة من المعايير بما في ذلك شهادة حسن السيرة والسلوك، وينتدب مكتب وطني مستقل أو دولي لاختيار الشخصيات حسب الملفات .
5-لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الحكومة وعن الجمعية العامة لمتابعة تنفيذ المخرجات وتحيين القوانين .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار